ماركيز وسحر ماكوندو الغامض بقلم "هبة فاروق"

ماركيز و سحر ماكوندو الغامض

-----------------

عالم ما بين الحقيقة والخيال، في مائة عام من دورة الزمن اللانهائية في دورانها المحموم، هذه هي مائة عام من العزلة التي هي أشهر ما كتب (جابو) جابريل جارسيا ماركيز..

أسعدني القدر بالتعرف علي ماركيز، ولكن كان هذا يوم موته، إذ أهدتني كاتبة صديقة جريدة أخبار الأدب في عدد خاص عن ماركيز، علي إثر ذلك، أخرجت رواية مائة عام من العزلة والتي كانت بين كتبي الكثيرة التي تنتظر من يقرأها..

للأسف كانت الرواية في نسخة رديئة مقلدة, وبداية غامضة عن رجل أنشأ مدينة جديدة، يزورها الغجر باختراعات تبهر أهل ماكوندو البسطاء..

لم تسهوني القصة، وتهت في الأسماء الأسبانية الكثيرة، فتركتها بعد عدة صفحات، وبعد فترة وجدت نوفيلا مطبوعة حديثًا في سلسلة الروائع –أخبار اليوم- لماركيز اسمها: ليس لدي الكولونيل من يكاتبه، فعدت علي آثارها للرواية المهجورة  فى  مكتبتى.

لأكتشف عالم ماكوندوا  الساحر، من خلال أجيال من عائلة جوزيه أركاديو، بخلفية سياسية مبهمة، ومع ذلك لا تختلف كثيراً عن الأحوال السياسية حول العالم، فلقد بدأت أؤمن أن التاريخ يعيد بعضه، والأحداث كثيرًا ما تتكرر، فلا جديد يقع على الأرض، الانسان يعيد نفسه مرارًا.

حين وصلت للجزء الخامس كنت أسيرة لعشق هذا العالم المحكم وشخصياته المنسوجة بشكل عبقري..

فأغوار الأنفس للشخصيات المتعددة ظهرت بأدق ما فيها من أفكار ومشاعر وتقلبات، فلا تخلط أبداً بينها رغم تكرار الأسماء بين الأجيال.

استمرت الأحداث تنتقل من جيل إلى جيل بين جلبة الحب وسكون الموت وتقلبات الحياة في عالم ما بين الحقيقة والخيال، في مائة عام من دورة الزمن السحري عند ماركيز.

حين وصلت للجزء الثالث عشر كان يجب أن أتوقف فما عدت أحتمل هموم عدة أجيال من إسوداد حياة أل جوزيه أركاديوا التي تدور مع الزمن في دائرته التي تجعل البداية كالنهاية لا فرق كبير سوي تغير الوجوه والأجساد..

رغم ذلك لم أستطع التوقف إلا عند الصفحة الأخيرة، التي تفك فيها طلاسم نبؤات ملكيادس الغجري الغريب الذي لا يصيبه الموت بمفهومه المعروف بالنهاية، فهو موجود من أول القصة حتي لحظة فك طلاسمه عن ماكونو وتلك العائلة التعسة- كشأن العالم، والحياة المشتعلة بالألم والغضب وشئ من سعادة تخبو كلما توهجت.

ويبقي السؤال هل حملت لنا رواية ماركيز الشهيرة صورة عن مجتمع أمريكا اللاتينية في حقبة من الزمن غير واضحة تحديداً، أم هي خيال محض لا أثر له من الحقيقة، كما ماكوندو القرية الخيالية؟

بمتابعة بعض ما كتب عن ماركيز، نعرف أنه أحد المنتمين إلى لونأ أدبيًا يدعي الواقعية السحرية، والتي هي تصوير للواقع في قالب من الخيال، فرواية مائة عام من العزلة علي سبيل المثال تحمل من الوقائع ما لا يمكن أن يطلق عليه حقيقة، وتحمل من الخيال ما لا يبعد مطلقًا عن الحقيقة، فى جو سحرى رائع وقعت أسيرة فى حبه، تجد فيه الخلاص لإحدى الشخصيات هو الطيران والاختفاء فى السماء، ولا تقف كثيرًا وأنت تقرأ حدث خيالى جدًا وسط واقعية الحكى، فتصير مقتنع تمامًا بإنتماء الحدث إلى الواقعية، وهذه هي روعة كتابة ماركيز، يجعلك تصدق الخيال وتري أنه عين الحقيقة.

ماركيز أخذ ببلد منسي في أمريكا اللاتينية وهي كلومبيا إلي العالمية، وهكذا الأدب العظيم يفعل، يجعلنا ننتقل إلى العوالم التي يخلقها الكاتب.

ماركيز لا يمكن لمن يحب الأدب والسرد علي وجه الخصوص ألا يحاول إكتشافه، لأنه روائي مميز يستحق لقب صاحب نوبل عن جدارة، فسرد ماركيز هو السحر الذي يلقيك في عوالم الخيال الحكيم.

اقرأوا ما كتب ماركيز لأنه يستحق أن نقف عنده كثيراً لنتأمل حياة الجنوب الأميركي اللاتيني الذي أجاد ماركيز وصفه، ولنتعلم كيف أن الحياة ما هى إلا عالم كبير من الخيال، رغم صعوبتها.

بقلم "هبة فاروق"