-->
ShareBook ShareBook

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

" العنوان ليس بقضية " قصة يكتبها :عبدالعزيز اسماعيل نائل

جاء اليوم المنشود الذي انتظره الجميع بفارغ الصبر لمحاكمة صاحب الجريمة الدامية في حق الإنسانية، تجمّع العامة في ساحة القضاء داخل المحكمة و جلسوا بانتظار القاضي و المجرم للأخذ بثأر الضحية.

فمنذ ثلاثة شهور عثر المحققون علي جثة فتاة في الثلاثين من عمرها مقيدة لسرير إحدي الفنادق مُغتصبة بشكل وحشي حتي الموت، أو علي الأقل هذا ما خطر ببال المحققين في بداية الأمر قبل أن يتقدم شاب يماثلها في العمر ليعترف بارتكابه الجريمة موضحاً بأنها لم تكن حالة إغتصاب بل أنها كانت علاقة جنسية عنيفة بموافقة الطرفين خرجت تماماً عن السيطرة ..
كانت تلك الفتاة صديقته الحميمية بمعرفة عائلتيهما منذ ستة أشهر ..

*دخل القاضي والذي كان كبيرا في السن غليظ الصوت و أمر الجميع بالصمت .. فسكت الكل و بدأت المحاكمة...
*قال القاضى: " أريد في البداية أن أواسي عائلة الضحية و أخبرهم بأننا لن نتهاون في تطبيق العقوبة القصوي حين تُثبت تلك المحاكمة إدانة المتهم، و أريد أيضاً أن أدعوهم بالصبر و التمسك بالصلاة فهي دائماً مصدر النور في أحلك الأوقات و أشدها ظلمة ..

ثانياً: أريد أن أخبر محامي المتهم: ان دعوتك لاتهام موكلك بالجنون قد رُفضت من قِبل الطبيب النفسي المعني بحالته فقد وصلني تقريره الذي يقول فيه بأنه شاب حاد الذكاء قد يُتهم بعقلانية مفرطة لكن ليس بالجنون المفرط كما تدعى، ففي الواقع كان يجب أن يكون طبيبه هنا و لكنه لسبب ما ليس كذلكك، ربما لا يشعر بحالة جيدة هذا اليوم".
*نظر القاضي جانباً و أمر بدخول المتهم، فدخل شابٌ وسيم علي غير توقعات العامة فقد كان نحيفاً نسبياً، صاحب شعر ناعم متموج و ملامح حادة منتظمة رسمت عليها ابتسامة باردة .. دخل إلي القفص و جلس مكبلاً في صمت.

أمر القاضي بكلمة افتتاحية للمحامي الحاضر عن المتهم و لكن سرعان ما اعترض المتهم علي ذلك..
ووقف قائلاً " سيدي القاضى، أريد أن أطلب من عدالة المحكمة حقي في الحديث و الدفاع عن نفسي فقد تكون تلك معركتي الأخيرة و التي أود أن أخوضها بنفسي. "
تعجب القاضي و سأله:" ألا تريد مساعدة الأكثر احترافية يا بني.. إنها حياتك علي المحك هنا ؟ "
ابتسم المتهم فثار الحضور و بدأ صوت الجمهور بالصعود حتي سمعوا مطرقة العداله تطرق خشب المجلس، وأمر القاضي الجميع بالسكوت .. تشاور مع مستشاريه لدقيقة ومن ثم وافق علي قبول طلب المتهم طبقاً لحقه و نظرا لظروف الجريمة و التي سيحكم فيها غالباً بالإعدام في النهاية، فالمتهم قد اعترف مسبقاً بارتكابه الجريمة.
قرع القاضي خشب المجلس مرة أخري و طلب الالتزام من الجميع و أمر بمتابعة المحاكمة بموافقة ضِمنية علي طلب المتهم، و أمر بكلمة المدعي العام فبدأ حديثه للمتهم قائلاً:
" سيد ويلسون .. أنت متهم بقتل الفتاه "ماري" في اليوم الموافق الرابع و العشرون من شهر أغسطس السابق في فندق صغير علي طريق 24 خارج المدينة، و مكتوب أمامي بأنك أتيت لمكتب الشرطة معترفاً بأنك الجاني، هل توافق علي هذا الادعاء ؟ "
ابتسم المتهم و نظر للقاضي و للجمهور و تحدث بصوت منخفض نسبياً: " تريدني أن أوافق علي هذا الادعاء فينتهي كل شيء قبل أن يبدأ" ... (ضحك المتهم ناظرا للأرض) ومن ثم تابع قائلاً : "قد أكون مجرد شاب متدين يؤمن بأن أكثر طرق الانتقام وحشية هي أنقاذ المجرم الحقيقي من عقاب الدنيا المؤقت ليذهب مباشرة للجحيم بعد وفاته، دائماً ما يقول رجال الدين أن من طُبّقت عليه عقوبة الدنيا ينجح غالبا بالفرار من عقوبة الله في الآخرة، ثم نظر للحضور (ضاحكاً و سأل) : أليس فيكم قِس أو شيخ هنا؟
لعلي يا سيدي لا أستطيع العيش من دون حبيبتي، فتكون تلك طريقة مثلي للانتحار، أن أموت لأري ماري مجدداً و يعيش الجاني مؤقتاً ليلقي مصيره الأبدي بعد الموت .. ألا تظن ذلك ؟ "
قال المدعي :" حسناً .. لربما تكون تلك دوافعك للقدوم علي مثل هذا الفعل الانتحاري، لكن تذكر بأن المحكمة لن تعدم قاتلين لجريمة واحدة، بمجرد موتك سَتُغلق القضية و لن يبحث أحد عن الجاني الحقيقى، وسيضيّع حق حبيبتك، وحق ذويها. "
فقال المتهم ضاحكا: " ظننت أن هذا البناء الضخم قد بني لمعاقبة المجرمين الحقيقيين، من ارتكبوا الجرائم؟ ليس من ادعوا ارتكابها تحت ضغط دوافع نفسية أو مادية كمن قد يفدي رجل أعمال مشهور لأجل بعض نقود عفنه، أنت لا تريد الحقيقة سيدي، أنت تريد وهم الحقيقة، تريد ملئ الفراغ، أن تلتزم بقواعد اللعبة وأن تكتب اسم أحدهم علي النقاط بغلاف القضية من الخارج.
قال المدعي للمتهم : " اسمع يا هذا .. القانون هنا سيطبق علي من تقول الأدلة بأنه مجرم و أكبر تلك الأدلة هو الاعتراف .. لو كنت تظن بأن الثرثرة ستغير من مصيرك شيء، فأنت مخطئ."
المتهم: " الاعتراف ؟! ... لعلك تقصد بأنه أسرع الأدلة أو أسهلها لكنه ليس أقواها بالتأكيد. "
قال القاضي مبتسماً للمدعي: "سأستمتع في الحقيقة بالحوار بينك وبين هذا المتهم و أعلم أن الكثير من الحضور سيعرفون أكثر عن عدالة القضاء و نزاهة المحكمة، أظن بأنه يمكنه الثرثرة قليلاً لو لم يزعجك هذا سيادة المدعي."
ابتسم المدعي و اماء برأسه موافقاً ثم وجه حديثه للمتهم متابعاً : " حسناً .. لو كنت شخص بهذا الإيمان سيد ويلسون ألا تعتقد بأن شخص ترك كل الخير الذي وضعه الله بداخله و اندفع نحو الشر مرتكباً جريمة بهذه البشاعة يستحق عقاب أبدي يبدأ من الآن؟ "
المتهم: " إذا كنت تنسب لله الخير بداخل الإنسان، فلمن تنسب الشر إذن؟! هل هناك مصدر آخر للقيم في هذا العالم؟! خالق آخر ربما ؟! "
طرق القاضي خشب المجلس بعد أن تصاعدت أصوات الحاضرين و أمر المدعي بتغيير السؤال .. كي تتغير بدورها إجابة المتهم.
فقال المدعي: " دعنا نكون واضحين هنا .. هل قتلت تلك الفتاة في تلك الليلة في ذاك الفندق أم لا؟ "
المتهم: " أعدك بأنك ستعلم هوية المجرم الحقيقي في نهاية مرافعتي القصيرة، دعني أقول لك سيادة المدعي بأنني لم أقتلها, كنا نحتفل بعيد ميلادها حين طلبت مني أن أزيد الجرعة قليلاً فلطالما أحبت طرقي المنحرفة في ممارسة الحب. "
المدعي : "هل كنت دوماً سيادياً في ممارستك للجنس أم أنك في تلك الليلة كنت تحت تأثير مخدر، أو رغبة ما؟ "
المتهم: " السادي ليس من يُفضل أن يقيد حبيبته أو أن يدميها أو يضربها أو أن يسمع صراخها أثناء علاقتهما الحميمية .. السادي الحقيقي هو من قد يستمتع بمشاهدة ذلك. (ابتسم المتهم و من ثم وجه الحديث للقاضي ) : هل تستمتع بمشاهدة ذلك أحياناً سيدي القاضي، ربما مقطعاً إباحياً علي الإنترنت؟!هل حدث ذلك معك سيادة المدعي؟! هل أثار ذلك أحدكم من قبل؟! (ناظرا للحضور)"
ثارت همهمة في القاعة، فتابع المتهم حديثه بصوت أعلى قائلاً: " العالم حولنا سادي من البداية، و لكنني الحلقة الأضعف في النظام وأنتم تؤمنون بفضيلتكم، قد تكون ماري بطلة المقطع و ضحية القضية و القاضي مستمتع في الحالتين ومع ذلك سيعاقبني ويترك نفسه دون عقاب؟!"
ارتفع صوت الضجيج في قاعة المحكمة مرة أخري و احمر وجه القاضي من الغضب و أمر بأن يصمت الجميع و بأن يعود المتهم للقفص، وأخبر محامي المتهم بأن عليه متابعة الدفاع من دون أن ينطق المتهم بكلمة أخري ..
فبدأ محامي المتهم مرافعته قائلاً : " سيدي القاضي المبجل، سيادة المدعي المحترم، سيادة الحاضرون الشرفاء.. "
" إطراء صغير لئلا تجفل الطريدة، أليست هذه أولي مبادئ الصيد، يا إلهي لم يكن عليّ أن أبحث عن محامي يعرف القانون، بل كان علي أن أبحث عن محامي يعرف القاضي." ((هكذا قال المتهم بصوت ضاحك ساخرا))
ضحك الحاضرون، و غضب القاضي أكثر و وقف قائلاً : "كلمة أخري و ستغادر القاعة و سنخبرك بالحكم و أنت بين جدران السجن."
فرد المتهم قائلاً :" هل لي بسؤالٍ واحد و أعدك بأنني لن أتحدث إلا إذا أذنت لي ؟"
القاضي : " لن أسمح لك بأن تنطق حرف بعد ذاك السؤال ..انه سؤالك الأخير "
فوجه المتهم ويلسون السؤال للمدعي : "هل هناك أدلة أخري علي اتهامي غير اعترافي بأنني قاتل ماري؟"
فقال المدعي بعد صمت : " لا. "
المتهم: " هذا الاعتراف لا يعني بأنني قتلت ماري بل قد يعني أنني كنت في حالة يرثي لها بعد موت حبيبتي، يمكنك أن تتهمني بإزعاج السلطات أو بادعاء كاذب و لكن ذلك لا يجعلني القاتل الحقيقي.
لم يبقي لديك شيء صحيح؟! أظنني سأقضي بضع أسابيع و أخرج من هنا؟! "
نظر المدعي للقاضي في توتر ..
فأكمل المتهم حديثه قائلاً: " سأعترف لكم كتابةً بأنني من قتل (ماري) و سأبارك حكم الإعدام بنفسي فأنا لم أعد أريد تلك الحياة، لكن بشرط أن أتكلم لمدة عشر دقائق و لا يقاطعني فيهم أحد."
نظراً لصعوبة الحصول علي أدلة أخري فلم يترك الجاني أي أثر وراؤه و لم يترك المتهم أي مخرج آخر للقاضي، فتشاور مع مستشاريه في ارتباك و قرروا أن يعطوه صلاحية الحديث لمدة عشر دقائق تماماً كما طلب ..
وقف القاضي و قال : "عشر دقائق فقط لا غير."
بدأها المتهم حديثه قائلاً: " المجتمع ليس شريفاً كما يدعي، هو لا يرفض الجريمة بل يرفض التورط بها، و العالم ليس خيّراً كما يدعي، فكل أنا هي أنا آثمة في حق مجتمعها أو في حق القانون أو في حق نفسها فلابد أن تكون آثمة في حق أحد ما، ألا يكفينا هذا بأن نقر بأن الحياة أصلها و معناها يكمن في التعدي و التجاوز و الخطأ؟! و أن الصواب هو الحالة النادرة التي يجب أن تلفت الأنظار ..كيف لكم أن تعاقبوا فاعل الشر إذن؟! ما دمنا لا نري و بشكل كافٍ فاعل الخير يكافأ؟!
أنا لم أغتصبها، بل هي التي طلبت ان أعطيها كل ما عندي .. أنا لست مجنوناً لو كان الجميع مجانين , و لست سادياً بما أن العالم سادي من البداية.
أنا ألفظ كلماتي الأخيرة ليس طلباً للعدالة بل هروباً من اليأس، أريد أن أقول كلماتٍ لن تصنع فارق .. فأنا أعلم أن الهروب من اليأس مستحيل.
أنتم لستم فضلاء كما تدعون .. عليكم أن تطلقوا سراحي و أن تفتحوا أبواب السجون و لا تصدرون أحكاماً أخرى، أو أن تقيموا الدليل علي فضيلتكم الكاذبة تلك.. أليس العدل هو أن ننظر إلي الأشياء نظرة لا يشوبها شيء، بعيداً عن دموية جريمتي التي تهافتم علي محاسبتي عليها و تجمعتم بالمئات , نسيتم بأنني عشت سنوات طوال في خدمة المجتمع بعملي كطبيب شريف، قد أكون أنقذت حياة أحدكم و لا يكترث أن يعرف اسمي حتي
جميعكم جبناء في اللحظة التي يتوجب عليكم فيها تغيير مصائركم، هل سألت نفسك لماذا لا تقود سيارتك و أنت سكير؟! لماذا لم تختلس ذاك المال من خزانة الشركة؟! لماذا لم تقتل جارك البغيض حينما سنحت لك الفرصة؟! أم أنك تخشي إجابة هذا السؤال لأن ضميرك لم يعد المانع من اقترافك الجرائم، بل عصي القانون .. ألا تري بأننا باتباعنا القانون عقدنا عقداً مع الشيطان ببيع ضمائرنا؟! ماذا ستفعل إذا عشت بدون عقوبات؟! هل يمكن للمرء أن يعيش دون أن يؤمن بشيء؟! ألذلك اخرعتم تدينكم، لأنكم لا تستطيعون السيطرة علي غرائزكم إلا بالعصي و النار؟! ماذا لو كنت المفترس الأقوي في هذا المجتمع، علي قمة السلسة الغذائية كالأسد مثلاً أكنت لتقتل الجميع لمجرد أنك تستطيع، أم كنت ستقتل فقط لتأكل كعقلاء الغابة؟
إن ضمائرنا ماتت مع أول حجر وضع في أول قاعة قضاء و بتمييزنا بعضنا للحكم علي بعض، قد يكون القاضي المبجل أكثرنا إثماً و لكنه أكثرنا معرفةً بشبكة صرف القانون الداخلية، فجريمته تمر من دون عقاب و الأسوأ من ذلك أنها تمر من دون أي شعور بالذنب.
سنظل جبناء كسكان قلعة مهدومة الأسوار، يتوهمون بأنهم شعب الله المختار و هم مجرد شياطين قصوا أظافرهم و قرونهم .. أعترف بأنني قاتل ماري و بأنني قتلتها عمداً لكن ليس رغبةً مني في القتل ، بل لأن قانونكم ناقص .. لقد خانتني ماري مع صديقي الذي مات في حادث سيارة من اسبوع، قانونكم لا يحاسب الخائنون، فلا يمكني رفع دعوي ضدها لأنها كسرت قلبي و قتلت رغبتي في الوجود .. ستقول لي سيدي القاضي حينها بأن القانون لا يحمي المغفلين .. من أنت لتحاسب الناس علي ذكاءهم و قدرتهم علي التفكير؟!! 
تذكر سيدي القاضي بأنك كنت يوماً شاباً مثلي يتزمر من القضاء، لربما كان لديك صديق قد سُجن ظلماً .. و لكن هكذا العبيد يبدؤون بالمطالبة بالعدالة و من ثم المطالبة بالسلطة .. لقد صرتم في عداد الموتي و أنتم في هذا العالم . "



shareookeg

مدونة :

مدونة تقنية تحتوى على مجموعة دروس ودورات فى مجالات تقنية مختلفة مثل دروس انظمة التشغيل والبرامج والالعاب وبلوجر وفوتوشوب وتطبيقات اندوريد والربح من الانترنت وغيره من الشروحات المميزة تاست مدونة مستر ابوعلى عام 2013 وبفضل الله نالت اعجاب الكثير مؤسس المدونة مستر ابوعلى مدون مصرى

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

التسميات

المتابعون

إحصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة لـ

ShareBook

2017

تصميم:

أحمد شحاتة